الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله: {وكم} مخاطبة من الله تعالى لمحمد خبر يتضمن كسر حجتهم واحتقار أمرهم لأن التقدير: هذا الذي افتخروا به لا قدر له عند الله وليس بمنج لهم فكم أهلك الله من الأمم لما كفروا وهو أشد من هؤلاء وأكثر أموالًا وأجمل منظرًا. و(القرن) الأمة يجمعها العصر الواحد، واختلف الناس في قدر المدة التي اذا اجتمعت لأمة سميت تلك الامة قرنًا، فقيل مائة سنة، وقيل ثمانون، وقيل سبعون، وقد تقدم القول في هذا غير مرة، و(الأثاث) المال العين والعرض والحيوان وهو اسم عام واختلف هل هو جمع أو إفراد. فقال الفراء: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالمتاع، وقال خلف الأحمر: هو جمع واحدة أثاثة كحمامة وحمام ومنه قول الشاعر: الوافر: وأنشد أبو العباس: الوافر: وقرأ نافع بخلاف وأهل المدينة {وريًّا} بياء مشددة، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه وطلحة {وريا} بياء مخففة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: {ورءيًا} بهمزة بعدها ياء على وزن رعيًا، ورويت عن نافع وابن عامر رواها أشهب عن نافع وقرأ أبو بكر عن عاصم {وريئًا} بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب وزنه فلعًا وكأنه من راع وقال الشاعر: الطويل: فأما القراءتان المهموزتان فهما من رؤية العين الرئي اسم المرئي والظاهر للعين كالطحن والسقي، قال ابن عباس الرئي المنظر قال الحسن {وريًا} معناه صورًا وأما المشددة الياء فقيل هي بمعنى المهموزة إلا أن الهمزة خففت لتستوي رؤوس الآي، وذكر منذر بن سعيد عن بعض أهل العلم أنه من (الري) في السقي كأنه أراد أنهم خير منهم بلادًا وأطيب أرضًا وأكثر نعمًا إذ جملة النعم إنما هي من الري والمطر، وأما القراءة المخففة الياء فضعيفة الوجه، وقد قيل هي لحن، وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري وابن عباس أيضًا {وزيًا} بالزاي وهو بمعنى الملبس وهيئته تقول زييت بمعنى زينت، وأما قوله: {قل من كان الضلالة} الآية فقول يحتمل معنيين، أحدهما أن يكون بمعنى الدعاء والابتهال كأنه يقول الأضل منا أو منكم (مد) الله له أي أملى له حتى يؤول ذلك إلى عذابه، والمعنى الأخر أن يكون بمعنى الخبر كأنه يقول من كان ضالًا من الأمم فعادة الله فيه أنه (يمد) له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة، فاللام في قوله: {فليمدد} على المعنى الأول لام رغبة في صيغة الأمر، وعلى المعنى الثاني لام أمر دخلت في معنى الخبر ليكون أوكد وأقوى وهذا موجود في كلام العرب وفصاحتها.{حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْاْ هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}.{حتى} في هذه الآية حرف ابتداء دخلت على جملة وفيها معنى الغاية، و{إذا} شرط، وجوابها في قوله: {فسيعلمون} والرؤية رؤية العين، و{العذاب} و{الساعة} بدل من {ما} التي وقعت عليها {رأوا} و{إما} هي المدخلة للشك في أول الكلام والثانية عطف عليها، و{العذاب} يريد به عذاب الدنيا ونصرة المؤمنين عليهم، و(الجند) النصرة والقائمون بأمر الحرب، و{شر مكانًا} بإزاء قولهم {خير مقامًا} [مريم: 73] {وأضعف جندًا} بإزاء قولهم {أحسن نديًا} [مريم: 72] ولما ذكر ضلالة الكفرة وارتباكهم في الافتخار بنعم الدنيا وعماهم عن الطريق المستقيم عقب ذلك بذكر نعمته على المؤمنين في أنهم يزيدهم {هدى} في الارتباط إلى الأعمال الصالحة والمعرفة بالدلائل الواضحة وزيادة العلم دأبًا.قال الطبري عن بعضهم المعنى بناسخ القرآن ومنسوخه ع: وهذا مثال وقوله: {والباقيات الصالحات} إشارة الى ذلك الهدى الذي يزيدهم الله تعالى أي وهذه النعم على هؤلاء {خير} عند الله {ثوابًا} وخير مرجعًا. والقول في زيادة الهدى سهل بين الوجوه، وأما {الباقيات الصالحات} فقال بعض العلماء هو كل عمل صالح يرفع الله به درجة عامله، وقال الحسن هي (الفرائض)، وقال ابن عباس هي (الصلوات الخمس) وروي عن النبي عليه السلام «أنها الكلمات المشهورات سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» وقد قال رسول الله عليه السلام لأبي الدرداء «خذهن يا أبا الدرداء، قبل أن يحال بينك وبينهن فهن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة» وروي عنه عليه السلام أنه قال يومًا «خذوا جنتكم، قالوا يا رسول الله أمن عدو حضر قال: من النار، قالوا ما هي يا رسول الله، قال: سبحان الله، ولا إله الا الله، والله أكبر، وهن الباقيات الصالحات» وكان أبو الدرداء يقول إذا ذكر هذا الحديث: لأهللن، ولأكبرن الله، ولأسبحنه حتى إذا رآني الجاهل ظنني مجنونًا. اهـ.
والنديّ على فعيل مجلس القوم ومتحدَّثهم، وكذلك الندوة والنادي (والمُنْتَدى) والمُنَتَدَّى، فإن تفرق القوم فليس بنديّ؛ قاله الجوهري.قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ} أي من أمة وجماعة.{هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} أي متاعًا كثيرًا؛ قال: والأثاث متاع البيت. وقيل: هو ما جدّ من الفَرْش والخُرْثيّ ما لُبس منها، وأنشد الحسن بن عليّ الطوسي فقال: وقال ابن عباس: هيئة. مقاتل: ثيابا. {وَرِءْيًا} أي منظَرًا حسنًا. وفيه خمس قراءات: قرأ أهل المدينة {ورِيًّا} بغير همز. وقرأ أهل الكوفة {ورِئيا} بالهمز. وحكى يعقوب أن طلحة قرأ {وَرِيًا} بياء واحدة مخففة. وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وزِيًّا} بالزاي؛ فهذه أربع قراءات. قال أبو إسحاق: ويجوز {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وريْئا} بياء بعدها همزة.النحاس: وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران: أحدهما: أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء، وأدغمت الياء في الياء. وكان هذا حسنًا لتتفق رؤوس الآيات لأنها غير مهموزات. وعلى هذا قال ابن عباس: الرئي المنظر؛ فالمعنى: هم أحسن أثاثًا ولباسًا. والوجه الثاني: أن جلودهم مرتوية من النعمة؛ فلا يجوز الهمز على هذا. وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر {ورئيا} بالهمز تكون على الوجه الأوّل. وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل. وقراءة طلحة بن مُصَرِّف {ورِيًا} بياء واحدة مخففة أحسبها غلطًا. وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء، ثم حذفت إحدى اليائين.المهدوي: ويجوز أن يكون {رِيْئًا} فقلبت ياء فصارت رييا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت. وقد قرأ بعضهم {ورِيًا} على القلب وهي القراءة الخامسة. وحكى سيبويه رَاءَ بمعنى رأى.الجوهري: من همزه جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة. وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال: ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رَوِيت ألوانهم وجلودهم رِيًّا؛ أي امتلأت وحسنت. وأما قراءة ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري {وزِيا} بالزاي فهو الهيئة والحسن. ويجوز أن يكون من زَوَيتُ أي جمعت، فيكون أصلها زِويا فقلبت الواو ياء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «زُويت لي الأرض» أي جمعت؛ أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا من عذاب الله تعالى؛ فليعش هؤلاء ما شاؤوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عُمِّروا؛ أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به.قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة} أي في الكفر {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} أي فليدعه في طغيان جهله وكفره؛ فلفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر؛ أي من كان في الضلالة مدّه الرحمن مدًا حتى يطول اغتراره فيكون ذلك أشدّ لعقابه. نظيره: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًَا} [آل عمران: 178] وقوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110] ومثله كثير؛ أي فليعش ما شاء، وليوسع لنفسه في العمر؛ فمصيره إلى الموت والعقاب. وهذا غاية في التهديد والوعيد. وقيل: هذا دعاء أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ تقول: من سرق مالي فليقطع الله تعالى يده؛ فهو دعاء على السارق. وهو جواب الشرط. وعلى هذا فليس قوله: {فليمدد} خبرًا.قوله تعالى: {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} قال: {رأوا} لأن لفظ {من} يصلح للواحد والجمع. و {إذا} مع الماضي بمعنى المستقبل؛ أي حتى يروا ما يوعدون. والعذاب هنا إما أن يكون بنصر المؤمنين عليهم فيعذبونهم بالسيف والأسر؛ وإما أن تقوم الساعة فيصيرون إلى النار.{فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} أي تنكشف حينئذٍ الحقائق. وهذا رد لقولهم: {أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديا}. قوله تعالى: {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} أي ويثبت الله المؤمنين على الهدى، ويزيدهم في النّصرة، وينزل من الآيات ما يكون سبب زيادة اليقين مجازاة لهم. وقيل: يزيدهم هدى بتصديقهم بالناسخ والمنسوخ الذي كفر به غيرهم؛ قال معناه الكلبي ومقاتل. ويحتمل ثالثًا: أي {ويزيد الله الذين اهتدوا} إلى الطاعة {هدى} إلى الجنة؛ والمعنى متقارب. وقد تقدّم القول في معنى زيادة الأعمال وزيادة الإيمان والهدى في (آل عمران) وغيرها.{والباقيات الصالحات} تقدّم في (الكهف) القول فيها.{خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا} أي جزاء: {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} أي في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا.و(المَرَدّ) مصدر كالرد؛ أي وخير ردًا على عاملها بالثواب؛ يقال: هذا أَرَدُّ عليك، أي أنفع لك. وقيل: {خير مردًا} أي مرجعًا فكل أحد يردّ إلى عمله الذي عمله. اهـ.
|